فصل: الرّدّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ نَفْعَهُ لِلْمَجْنُوبِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.حَرْفُ الْقَافِ:

.قُرْآنٌ:

قَالَ اللّهُ تَعَالَى: {وَنُنَزّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الْإِسْرَاءُ: 82] وَالصّحِيحُ أَنّ مِنْ هَاهُنَا لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا لِلتّبْعِيضِ وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا النّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصّدُورِ} [يُونُسُ 57]. فَالْقُرْآنُ هُوَ الشّفَاءُ التّامّ مِنْ جَمِيعِ الْأَدْوَاءِ الْقَلْبِيّةِ وَالْبَدَنِيّةِ وَأَدْوَاءِ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا كُلّ أَحَدٍ يُؤَهّلُ وَلَا يُوَفّقُ لِلِاسْتِشْفَاءِ بِهِ وَإِذَا أَحْسَنَ الْعَلِيلُ التّدَاوِي بِهِ وَوَضَعَهُ عَلَى دَائِهِ بِصِدْقٍ وَإِيمَانٍ وَقَبُولٍ تَامّ وَاعْتِقَادٍ جَازِمٍ وَاسْتِيفَاءِ شُرُوطِهِ لَمْ يُقَاوِمْهُ الدّاءُ أَبَدًا. وَكَيْفَ تُقَاوِمُ الْأَدْوَاءُ كَلَامَ رَبّ الْأَرْضِ وَالسّمَاءِ الّذِي لَوْ نَزَلَ عَلَى الْجِبَالِ لَصَدّعَهَا أَوْ عَلَى الْأَرْضِ لَقَطّعَهَا فَمَا مِنْ مَرَضٍ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ إلّا وَفِي الْقُرْآنِ سَبِيلُ الدّلَالَةِ عَلَى دَوَائِهِ وَسَبَبِهِ وَالْحَمِيّةِ مِنْهُ لِمَنْ رَزَقَهُ اللّهُ فَهْمًا فِي كِتَابِهِ وَقَدْ تَقَدّمَ فِي أَوّلِ الْكَلَامِ عَلَى الطّبّ بَيَانُ إرْشَادِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ إلَى أُصُولِهِ وَمَجَامِعِهِ الّتِي هِيَ حِفْظُ الصّحّةِ وَالْحِمْيَةُ وَاسْتِفْرَاغُ الْمُؤْذِي وَالِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ أَفْرَادِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ. وَأَمّا الْأَدْوِيَةُ الْقَلْبِيّةُ فَإِنّهُ يَذْكُرُهَا مُفَصّلَةً وَيَذْكُرُ أَسْبَابَ أَدْوَائِهَا وَعِلَاجَهَا. قَالَ: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [الْعَنْكَبُوت: 51] فَمَنْ لَمْ يَشْفِهِ الْقُرْآنُ فَلَا شَفَاهُ اللّهُ وَمَنْ لَمْ يَكْفِهِ فَلَا كَفَاهُ اللّهُ.

.قِثّاءٌ:

فِي السّنَنِ: مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَأْكُلُ الْقِثّاءَ بِالرّطَبِ وَرَوَاهُ التّرْمِذِيّ وَغَيْرُهُ الْقِثّاءُ بَارِدٌ رَطْبٌ فِي الدّرَجَةِ الثّانِيَةِ مُطْفِئٌ لِحَرَارَةِ الْمَعِدَةِ الْمُلْتَهِبَةِ بَطِيءُ الْفَسَادِ فِيهَا نَافِعٌ مِنْ وَجَعِ الْمَثَانَةِ وَرَائِحَتُهُ تَنْفَعُ مِنْ الْغَشْيِ وَبِزْرُهُ يُدِرّ الْبَوْلَ وَوَرَقُهُ إذَا اُتّخِذَ ضِمَادًا نَفَعَ مِنْ عَضّةِ الْكَلْبِ وَهُوَ بَطِيءُ الِانْحِدَارِ عَنْ الْمَعِدَةِ وَبَرْدُهُ مُضِرّ بِبَعْضِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعْمَلَ مَعَهُ مَا يُصْلِحُهُ وَيَكْسِرُ بُرُودَتَهُ وَرُطُوبَتَهُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ أَكَلَهُ بِالرّطَبِ فَإِذَا أُكِلَ بِتَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ عَسَلٍ عَدّلَهُ.

.قُسْطٌ وَكُسْتٌ:

بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَفِي الصّحِيحَيْنِ: مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيّ أُمّ قَيْسٍ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيّ فَإِنّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ الْقُسْطُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا: الْأَبْيَضُ الّذِي يُقَالُ لَهُ الْبَحْرِيّ. وَالْآخَرُ الْهِنْدِيّ وَهُوَ أَشَدّهُمَا حَرّا وَالْأَبْيَضُ أَلْيَنُهُمَا وَمَنَافِعُهُمَا كَثِيرَةٌ جِدّا. وَهُمَا حَارّانِ يَابِسَانِ فِي الثّالِثَةِ يُنَشّفَانِ الْبَلْغَمَ قَاطِعَانِ لِلزّكَامِ وَإِذَا شُرِبَا نَفَعَا مِنْ ضَعْفِ الْكَبِدِ وَالْمَعِدَةِ وَمِنْ بَرْدِهِمَا وَمِنْ حُمّى الدّوْرِ وَالرّبْعِ وَقَطَعَا وَجَعَ الْجَنْبِ وَنَفَعَا مِنْ السّمُومِ وَإِذَا طُلِيَ بِهِ الْوَجْهُ مَعْجُونًا بِالْمَاءِ وَالْعَسَلِ قَلَعَ الْكَلَفَ وَقَالَ جَالِينُوسُ: يَنْفَعُ مِنْ الْكُزَازِ وَوَجَعِ الْجَنْبَيْنِ وَيَقْتُلُ حَبّ الْقَرَعِ.

.الرّدّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ نَفْعَهُ لِلْمَجْنُوبِ:

وَقَدْ خَفِيَ عَلَى جُهّالِ الْأَطِبّاءِ نَفْعُهُ مِنْ وَجَعِ ذَاتِ الْجَنْبِ فَأَنْكَرُوهُ وَلَوْ ظَفِرَ هَذَا الْجَاهِلُ بِهَذَا النّقْلِ عَنْ جَالِينُوسَ لِنُزُولِهِ مَنْزِلَةَ النّصّ كَيْفَ وَقَدْ نَصّ كَثِيرٌ مِنْ الْأَطِبّاءِ الْمُتَقَدّمِينَ عَلَى أَنّ الْقُسْطَ يَصْلُحُ لِلنّوْعِ الْبَلْغَمِيّ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ ذَكَرَهُ الْخَطّابِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْجَهْمِ. وَقَدْ تَقَدّمَ أَنّ طِبّ الْأَطِبّاءِ بِالنّسْبَةِ إلَى طِبّ الْأَنْبِيَاءِ أَقَلّ مِنْ نِسْبَةِ طِبّ الطّرُقِيّةِ وَالْعَجَائِزِ إلَى طِبّ الْأَطِبّاءِ وَأَنّ بَيْنَ مَا يُلْقَى بِالْوَحْيِ وَبَيْنَ مَا يُلْقَى بِالتّجْرِبَةِ وَالْقِيَاسِ مِنْ الْفَرْقِ أَعْظَمُ مِمّا بَيْنَ الْقَدَمِ وَالْفَرَقِ. وَلَوْ أَنّ هَؤُلَاءِ الْجُهّالَ وَجَدُوا دَوَاءً مَنْصُوصًا عَنْ بَعْضِ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ مِنْ الْأَطِبّاءِ لَتَلَقّوْهُ بِالْقَبُولِ وَالتّسْلِيمِ وَلَمْ يَتَوَقّفُوا عَلَى تَجْرِبَتِهِ. نَعَمْ نَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنّ لِلْعَادَةِ تَأْثِيرًا فِي الِانْتِفَاعِ بِالدّوَاءِ وَعَدَمِهِ فَمَنْ اعْتَادَ كَانَ أَنْفَعَ لَهُ وَأَوْفَقَ مِمّنْ لَمْ يَعْتَدْهُ بَلْ رُبّمَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ. وَكَلَامُ فُضَلَاءِ الْأَطِبّاءِ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَهُوَ بِحَسَبِ الْأَمْزِجَةِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْأَمَاكِنِ وَالْعَوَائِدِ وَإِذَا كَانَ التّقْيِيدُ بِذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي كَلَامِهِمْ وَمَعَارِفِهِمْ فَكَيْفَ يَقْدَحُ فِي كَلَامِ الصّادِقِ الْمَصْدُوقِ وَلَكِنّ نُفُوسَ الْبَشَرِ مُرَكّبَةٌ عَلَى الْجَهْلِ وَالظّلْمِ إلّا مَنْ أَيّدَهُ اللّهُ بِرُوحِ الْإِيمَانِ وَنَوّرَ بَصِيرَتَهُ بِنُورِ الْهُدَى.

.قَصَبُ السّكّرِ:

جَاءَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ السّنّةِ الصّحِيحَةِ فِي الْحَوْضِ مَاؤُهُ أَحْلَى مِنْ السّكّر وَلَا أَعْرِفُ السّكّرَ فِي الْحَدِيثِ إلّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالسّكّرُ حَادِثٌ لَمْ يَتَكَلّمْ فِيهِ مُتَقَدّمُو الْأَطِبّاءِ وَلَا كَانُوا يَعْرِفُونَهُ وَلَا يَصِفُونَهُ فِي الْأَشْرِبَةِ وَإِنّمَا يَعْرِفُونَ الْعَسَلَ وَيُدْخِلُونَهُ فِي الْأَدْوِيَةِ وَقَصَبُ السّكّرِ حَارّ رَطْبٌ يَنْفَعُ مِنْ السّعَالِ وَيَجْلُو الرّطُوبَةَ وَالْمَثَانَةَ وَقَصَبَةَ الرّئَةِ وَهُوَ أَشَدّ تَلْيِينًا مِنْ السّكّرِ وَفِيهِ مَعُونَةٌ عَلَى الْقَيْءِ وَيُدِرّ الْبَوْلَ وَيَزِيدُ فِي قَالَ عَفّانُ بْنُ مُسْلِمٍ الصّفّارُ: مَنْ مَصّ قَصَبَ السّكّرِ بَعْدَ طَعَامِهِ لَمْ يَزَلْ يَوْمَهُ أَجْمَعَ فِي سُرُورٍ انْتَهَى. وَهُوَ يَنْفَعُ مِنْ خُشُونَةِ الصّدْرِ وَالْحَلْقِ إذَا شُوِيَ وَيُوَلّدُ رِيَاحًا دَفَعَهَا بِأَنْ يُقَشّرَ وَيُغْسَلَ بِمَاءٍ حَارّ. وَالسّكّرُ حَارّ رَطْبٌ عَلَى الْأَصَحّ وَقِيلَ بَارِدٌ وَأَجْوَدُهُ الْأَبْيَضُ الشّفّافُ الطّبَرْزَدُ وَعَتِيقُهُ أَلْطَفُ مِنْ جَدِيدِهِ وَإِذَا طُبِخَ وَنُزِعَتْ رَغْوَتُهُ سَكّنَ الْعَطَشَ وَالسّعَالَ وَهُوَ يَضُرّ الْمَعِدَةَ الّتِي تَتَوَلّدُ فِيهَا الصّفْرَاءُ لِاسْتِحَالَتِهِ إلَيْهَا وَدَفْعُ ضَرَرِهِ بِمَاءِ اللّيْمُونِ أَوْ النّارِنْجِ أَوْ الرّمّانِ اللفان. وَبَعْضُ النّاسِ يُفَضّلُهُ عَلَى الْعَسَلِ لِقِلّةِ حَرَارَتِهِ وَلِينِهِ وَهَذَا تَحَامُلٌ مِنْهُ عَلَى الْعَسَلِ فَإِنّ مَنَافِعَ الْعَسَلِ أَضْعَافُ مَنَافِعِ السّكّرِ وَقَدْ جَعَلَهُ اللّهُ شِفَاءً وَدَوَاءً وَإِدَامًا وَحَلَاوَةً وَأَيْنَ نَفْعُ السّكّرِ مِنْ مَنَافِعِ الْعَسَلِ مِنْ تَقْوِيَةِ الْمَعِدَةِ وَتَلْيِينِ الطّبْعِ وَإِحْدَادِ الْبَصَرِ وَجَلَاءِ ظُلْمَتِهِ وَدَفْعِ الْخَوَانِيقِ بِالْغَرْغَرَةِ بِهِ وَإِبْرَائِهِ مِنْ الْفَالِجِ وَاللّقْوَةِ وَمِنْ جَمِيعِ الْعِلَلِ الْبَارِدَةِ الّتِي تَحْدُثُ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ مِنْ الرّطُوبَاتِ فَيَجْذِبُهَا مِنْ قَعْرِ الْبَدَنِ وَمِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَحِفْظِ صِحّتِهِ وَتَسْمِينِهِ وَتَسْخِينِهِ وَالزّيَادَةِ فِي الْبَاهِ وَالتّحْلِيلِ وَالْجِلَاءِ وَفَتْحِ أَفْوَاهِ الْعُرُوقِ وَتَنْقِيَةِ الْمِعَى وَإِحْدَارِ الدّودِ وَمَنْعِ التّخَمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعَفَنِ وَالْأُدْمِ النّافِعِ وَمُوَافَقَةِ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْبَلْغَمُ وَالْمَشَايِخُ وَأَهْلُ الْأَمْزِجَةِ الْبَارِدَةِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا شَيْءَ أَنْفَعُ مِنْهُ لِلْبَدَنِ وَفِي الْعِلَاجِ وَعَجْزِ الْأَدْوِيَةِ وَحِفْظِ قُوَاهَا وَتَقْوِيَةِ الْمَعِدَةِ إلَى أَضْعَافِ هَذِهِ الْمَنَافِعِ فَأَيْنَ لِلسّكّرِ مِثْلُ هَذِهِ الْمَنَافِعِ.

.حَرْفُ الْكَافِ:

.كِتَابٌ لِلْحُمّى:

قَالَ الْمَرْوَزِيّ: بَلَغَ أَبَا عَبْدِ اللّهِ أَنّي حُمِمْت فَكَتَبَ لِي مِنْ قُلْنَا: يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الْأَخْسَرِينَ اللّهُمّ رَبّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ اشْفِ صَاحِبَ هَذَا الْكِتَابِ بِحَوْلِك وَقُوّتِك وَجَبَرُوتِك إلَهَ الْحَقّ آمِينَ.

.الِاخْتِلَافُ فِي حُكْمِ التّمَائِمِ:

قَالَ الْمَرْوَزِيّ: وَقَرَأَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللّهِ- وَأَنَا أَسْمَعُ- أَبُو الْمُنْذِرِ عَمْرُو بْنُ مُجَمّعٍ حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ حِبّانَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمّدَ بْنَ عَلِيّ أَنْ أُعَلّقَ التّعْوِيذَ فَقَالَ إنْ كَانَ مِنْ كِتَابِ اللّهِ أَوْ كَلَامٍ عَنْ نَبِيّ اللّهِ فَعَلّقْهُ وَاسْتَشْفِ بِهِ مَا اسْتَطَعْتَ. قُلْتُ أَكْتُبُ هَذِهِ مِنْ حُمّى الرّبْعِ بِاسْمِ اللّهِ وَبِاَللّهِ وَمُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ إلَى آخِرِهِ؟ قَالَ أَيْ نَعَمْ. وَذَكَرَ أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وَغَيْرِهَا أَنّهُمْ سَهّلُوا فِي ذَلِكَ. قَالَ حَرْبٌ وَلَمْ يُشَدّدْ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ أَحْمَدُ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَكْرَهُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً جِدّا. وَقَالَ أَحْمَدُ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ التّمَائِمِ تُعَلّقُ بَعْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ؟ قَالَ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ. قَالَ الْخَلّالُ وَحَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ رَأَيْتُ أَبِي يَكْتُبُ التّعْوِيذَ لِلّذِي يَفْزَعُ وَلِلْحُمّى بَعْدَ وُقُوعِ الْبَلَاءِ.

.كِتَابٌ لِعُسْرِ الْوِلَادَةِ:

قَالَ الْخَلّالُ حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ: قَالَ رَأَيْتُ أَبِي يَكْتُبُ لِلْمَرْأَةِ إذَا عَسُرَ عَلَيْهَا وِلَادَتُهَا فِي جَامٍ أَبْيَضَ أَوْ شَيْءٍ نَظِيفٍ يَكْتُبُ حَدِيثَ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللّهِ رَبّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ {كَأَنّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ} [الْأَحْقَافُ 35] {كَأَنّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلّا عَشِيّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النّازِعَاتُ 46]. قَالَ الْخَلّالُ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَزِيّ أَنّ أَبَا عَبْدِ اللّهِ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ تَكْتُبُ لِامْرَأَةٍ قَدْ عَسُرَ عَلَيْهَا وَلَدُهَا مُنْذُ يَوْمَيْنِ؟ فَقَالَ قُلْ لَهُ يَجِيءُ بِجَامٍ وَاسِعٍ وَزَعْفَرَانٍ وَرَأَيْتُهُ يَكْتُبُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ وَيَذْكُرُ عَنْ عِكْرِمَةَ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ مَرّ عِيسَى صَلّى اللّهُ عَلَى نَبِيّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَقَرَةٍ قَدْ اعْتَرَضَ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا فَقَالَتْ يَا كَلِمَةَ اللّهِ اُدْعُ اللّه لِي أَنْ يُخَلّصَنِي مِمّا أَنَا فِيهِ فَقَالَ يَا خَالِقَ النّفْسِ مِنْ النّفْسِ وَيَا مُخَلّصَ النّفْسِ مِنْ النّفْسِ وَيَا مُخْرِجَ النّفْسِ مِنْ النّفْسِ خَلّصْهَا. قَالَ فَرَمَتْ بِوَلَدِهَا فَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تَشُمّهُ قَالَ فَإِذَا عَسُرَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَدُهَا فَاكْتُبْهُ لَهَا. وَكُلّ مَا تَقَدّمَ مِنْ الرّقَى فَإِنّ كِتَابَتَهُ نَافِعَةٌ.

.حُكْمُ كِتَابَةِ بَعْضِ الْقُرْآنِ وَشُرْبِهِ:

وَرَخّصَ جَمَاعَةٌ مِنْ السّلَفِ فِي كِتَابَةِ بَعْضِ الْقُرْآنِ وَشُرْبِهِ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الشّفَاءِ الّذِي جَعَلَ اللّه فِيهِ. كِتَابٌ آخَرُ لِذَلِكَ يُكْتَبُ فِي إنَاءٍ نَظِيفٍ {إِذَا السّمَاءُ انْشَقّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا وَحُقّتْ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلّتْ} [الِانْشِقَاقُ 41] وَتَشْرَبُ مِنْهُ الْحَامِلُ وَيُرَشّ عَلَى بَطْنِهَا.

.كِتَابٌ لِلرّعَافِ:

كَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيّةَ رَحِمَهُ اللّهُ يَكْتُبُ عَلَى جَبْهَتِهِ {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} [هُود: 44]. وَسَمِعْته يَقُولُ كَتَبْتهَا لِغَيْرِ وَاحِدٍ فَبَرَأَ فَقَالَ وَلَا يَجُوزُ كِتَابَتُهَا بِدَمِ الرّاعِفِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْجُهّالُ فَإِنّ الدّمَ نَجِسٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ بِهِ كَلَامُ اللّهِ تَعَالَى. كِتَابٌ آخَرُ لَهُ خَرَجَ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ بِرِدَاءٍ فَوَجَدَ شُعَيْبًا فَشَدّهُ بِرِدَائِهِ {يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمّ الْكِتَابِ} [الرّعْدُ 39]. كِتَابٌ آخَرُ لِلْحَزّازِ يُكْتَبُ عَلَيْهِ {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} [الْبَقَرَةُ 266] بِحَوْلِ اللّهِ وَقُوّتِهِ. كِتَابٌ آخَرُ لَهُ عِنْدَ اصْفِرَارِ الشّمْسِ يُكْتَبُ عَلَيْهِ {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الْحَدِيدُ 28]. وَرَقَاتٍ لِطَافٍ بِسْمِ اللّهِ فَرّتْ بِسْمِ اللّهِ مَرّتْ بِسْمِ اللّهِ قَلّتْ وَيَأْخُذُ كُلّ يَوْمٍ وَرَقَةً وَيَجْعَلُهَا فِي فَمِهِ وَيَبْتَلِعُهَا بِمَاءٍ. كِتَابٌ آخَرُ لِعِرْقِ النّسَا: بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ اللّهُمّ رَبّ كُلّ شَيْءٍ وَمَلِيكَ كُلّ شَيْءٍ وَخَالِقَ كُلّ شَيْءٍ أَنْتَ خَلَقْتنِي وَأَنْتَ خَلَقْت النّسَا فَلَا تُسَلّطْهُ عَلَيّ بِأَذًى وَلَا تُسَلّطْنِي عَلَيْهِ بِقَطْعٍ وَاشْفِنِي شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا لَا شَافِيَ إلّا أَنْتَ.

.كِتَابٌ لِلْعَرَقِ الضّارِبِ:

رَوَى التّرْمِذِيّ فِي جَامِعِهِ: مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُعَلّمُهُمْ مِنْ الْحُمّى وَمِنْ الْأَوْجَاعِ كُلّهَا أَنْ يَقُولُوا: بِسْمِ اللّهِ الْكَبِيرِ أَعُوذُ بِاَللّهِ الْعَظِيمِ مِنْ شَرّ كُلّ عَرَقٍ نَعّارٍ وَمِنْ شَرّ حَرّ النّارِ.

.كِتَابٌ لِوَجَعِ الضّرْسِ:

يُكْتَبُ عَلَى الْخَدّ الّذِي يَلِي الْوَجَعَ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ {قُلْ هُوَ الّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [النّحْلُ 78] وَإِنْ شَاءَ كَتَبَ {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللّيْلِ وَالنّهَارِ وَهُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الْأَنْعَامُ 13]. كِتَابٌ لِلْخَرَاجِ يُكْتَبُ عَلَيْهِ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} [طه: 105].

.كَمْأَةٌ:

ثَبَتَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ أَخْرَجَاهُ فِي الصّحِيحَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيّ: الْكَمْأَةُ جَمْعٌ وَاحِدُهُ كَمْءٌ وَهَذَا خِلَافُ قِيَاسِ الْعَرَبِيّةِ فَإِنّ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ التّاءُ فَالْوَاحِدُ مِنْهُ التّاءُ وَإِذَا حُذِفَتْ كَانَ لِلْجَمْعِ. وَهَلْ هُوَ جَمْعٌ أَوْ اسْمُ جَمْعٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ قَالُوا: وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذَا إلّا حَرْفَانِ كَمْأَةٌ وَكَمْءٌ وَجَبْأَةٌ وَجَبْءٌ وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْأَعْرَابِيّ: بَلْ هِيَ عَلَى الْقِيَاسِ الْكَمْأَةُ لِلْوَاحِدِ وَالْكَمْءُ لِلْكَثِيرِ وَقَالَ غَيْرُهُمَا: الْكَمْأَةُ تَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا. وَاحْتَجّ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوّلِ بِأَنّهُمْ قَدْ جَمَعُوا كَمْئًا عَلَى أَكْمُؤٍ قَالَ الشّاعِرُ:
وَلَقَدْ جَنَيْتُكَ أَكْمُؤًا وَعَسَاقِلًا ** وَلَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ بَنَاتِ الْأَوْبَرِ

وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ كَمْئًا مُفْرَدٌ وَكَمْأَةً جَمْعٌ. وَالْكَمْأَةُ تَكُونُ فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُزْرَعَ وَسُمّيَتْ كَمْأَةً لِاسْتِتَارِهَا وَمِنْهُ كَمَأَ الشّهَادَةَ إذَا سَتَرَهَا وَأَخْفَاهَا وَالْكَمْأَةُ مَخْفِيّةٌ تَحْتَ الْأَرْضِ لَا وَرَقَ لَهَا وَلَا سَاقَ وَمَادّتُهَا مِنْ جَوْهَرِ أَرْضِيّ بُخَارِيّ مُحْتَقِنٍ فِي الْأَرْضِ نَحْوَ سَطْحِهَا يَحْتَقِنُ بِبَرْدِ الشّتَاءِ وَتُنَمّيهِ أَمْطَارُ الرّبِيعِ فَيَتَوَلّدُ وَيَنْدَفِعُ نَحْوَ سَطْحِ الْأَرْضِ مُتَجَسّدًا وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهَا: جُدَرِيّ الْأَرْضِ تَشْبِيهًا بِالْجُدَرِيّ فِي صُورَتِهِ وَمَادّتِهِ لِأَنّ مَادّتَهُ رُطُوبَةٌ دَمَوِيّةٌ فَتَنْدَفِعُ عِنْدَ سِنّ التّرَعْرُعِ فِي الْغَالِبِ وَفِي ابْتِدَاءِ اسْتِيلَاءِ الْحَرَارَةِ وَنَمَاءِ الْقُوّةِ. وَهِيَ مِمّا يُوجَدُ فِي الرّبِيعِ وَيُؤْكَلُ نِيئًا وَمَطْبُوخًا وَتُسَمّيهَا الْعَرَبُ: نَبَاتَ الرّعْدِ لِأَنّهَا تَكْثُرُ بِكَثْرَتِهِ وَتَنْفَطِرُ عَنْهَا الْأَرْضُ وَهِيَ مِنْ أَطْعِمَةِ أَهْلِ الْبَوَادِي الْعَرَبِ وَأَجْوَدُهَا مَا كَانَتْ أَرْضُهَا رَمْلِيّةً قَلِيلَةَ الْمَاءِ. وَهِيَ أَصْنَافٌ مِنْهَا صِنْفٌ قَتّالٌ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إلَى الْحُمْرَةِ يُحْدِثُ الِاخْتِنَاقَ. وَهِيَ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ فِي الدّرَجَةِ الثّالِثَةِ رَدِيئَةٌ لِلْمَعِدَةِ بَطِيئَةُ الْهَضْمِ وَإِذَا أُدْمِنَتْ أَوْرَثَتْ الْقُولَنْجَ وَالسّكْتَةَ وَالْفَالِجَ وَوَجَعَ الْمَعِدَةِ وَعُسْرَ الْبَوْلِ وَالرّطْبَةُ أَقَلّ ضَرَرًا مِنْ الْيَابِسَةِ وَمَنْ أَكَلَهَا فَلْيَدْفِنْهَا فِي الطّينِ الرّطْبِ وَيَسْلُقْهَا بِالْمَاءِ وَالْمِلْحِ وَالصّعْتَرِ وَيَأْكُلْهَا بِالزّيْتِ وَالتّوَابِلِ الْحَارّةِ لِأَنّ جَوْهَرَهَا أَرْضِيّ غَلِيظٌ وَغِذَاؤُهَا رَدِيءٌ لَكِنْ فِيهَا جَوْهَرٌ مَائِيّ لَطِيفٌ يَدُلّ عَلَى خِفّتِهَا وَالِاكْتِحَالُ بِهَا نَافِعٌ مِنْ ظُلْمَةِ الْبَصَرِ وَالرّمَدِ الْحَارّ وَقَدْ اعْتَرَفَ فُضَلَاءُ الْأَطِبّاءِ بِأَنّ مَاءَهَا يَجْلُو الْعَيْنَ وَمِمّنْ ذَكَرَهُ الْمَسِيحِيّ وَصَاحِبُ الْقَانُونِ وَغَيْرُهُمَا.

.مَعْنَى «الْكَمْأَةِ مِنْ الْمَنّ»:

وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ «الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنّ» فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا:
أَنّ الْمَنّ الّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحُلْوَ فَقَطْ بَلْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مَنّ اللّهُ عَلَيْهِمْ بِهَا مِنْ النّبَاتِ الّذِي يُوجَدُ عَفْوًا مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ وَلَا عِلَاجٍ وَلَا حَرْثٍ فَإِنّ الْمَنّ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ أَيْ مَمْنُونٌ بِهِ فَكُلّ مَا رَزَقَهُ اللّهُ الْعَبْدَ عَفْوًا بِغَيْرِ كَسْبٍ مِنْهُ وَلَا عِلَاجٍ فَهُوَ مَنّ مَحْضٌ وَإِنْ كَانَتْ سَائِرُ نِعَمِهِ مَنّا مِنْهُ عَلَى عَبْدِهِ فَخَصّ مِنْهَا مَا لَا كَسْبَ لَهُ فِيهِ وَلَا صُنْعَ بِاسْمِ الْمَنّ فَإِنّهُ مَنّ بِلَا وَاسِطَةِ الْعَبْدِ وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ قُوّتَهُمْ بِالتّيهِ الْكَمْأَةُ وَهِيَ تَقُومُ مَقَامَ الْخَبَزِ وَجَعَلَ أُدْمَهُمْ السّلْوَى وَهُوَ يَقُومُ مَقَامَ اللّحْمِ وَجَعَلَ حَلْوَاهُمْ الطّلّ الّذِي يَنْزِلُ عَلَى الْأَشْجَارِ يَقُومُ لَهُمْ مَقَامَ الْحَلْوَى فَكَمُلَ عَيْشُهُمْ. وَتَأَمّلْ قَوْلَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنّ الّذِي أَنْزَلَهُ اللّهُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَجَعَلَهَا مِنْ جُمْلَتِهِ وَفَرْدًا مِنْ أَفْرَادِهِ والترنجبين الّذِي يَسْقُطُ عَلَى الْأَشْجَارِ نَوْعٌ مِنْ الْمَنّ ثُمّ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْمَنّ عَلَيْهِ عُرْفًا حَادِثًا. وَالْقَوْلُ الثّانِي: أَنّهُ شَبّهَ الْكَمْأَةَ بِالْمَنّ الْمُنَزّلِ مِنْ السّمَاءِ لِأَنّهُ يُجْمَعُ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ وَلَا كُلْفَةٍ وَلَا زَرْعِ بِزْرٍ وَلَا سَقْيٍ.